فصل: الغلول:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.الغلول:

تحريم الغلول: يحرم الغلول، وهو السرقة من الغنيمة، إذ أن الغلول يكسر قلوب المسلمين، ويسبب اختلاف كلمتهم، ويشغلهم بالانتهاب عن القتال، وكل ذلك يفضي إلى الهزيمة، ولهذا كان الغلول من كبائر الاثم بإجماع المسلمين.
يقول الله تعالى: {وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة} وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعقوبة الغال وحرق متاعه وضربه، زجرا للناس وكبحا لهم أن يفعلوا مثل ذلك.
فقد روى أبو داود، والترمذي، عن عمر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا وجدتم الرجل قد غل فاحرقوا متاعه واضربوه».
قال: فوجدنا في متاعه مصحفا، فسألنا سالما عنه؟ فقال: بعه وتصدق بثمنه.
وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر، وعمر، حرقوا متاع الغال وضربوه.
وقد رويت أحاديث أخرى عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه لم يأمر بحرق متاع الغال، ولا ضربه، ففهم من هذا أن للحاكم أن يتصرف حسب ما يرى من المصلحة، فإن كانت المصلحة تقتضي التحريق والضرب حرق وضرب، وإن كانت المصلحة غير ذلك فعل ما فيه المصلحة.
وروى البخاري عن عبد الله بن عمرو قال: كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كركرة، فمات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هو في النار»، فذهبوا ينظرون إليه، فوجدوا عباءة قد غلها.
وروى أبو داود: «أن رجلا مات يوم خيبر من الاصحاب، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: صلوا على صاحبكم فتغيرت وجوه الناس، فقال: إن صاحبكم غل في سبيل الله» ففتشوا متاعه، فوجدوا خرزا من خرز اليهود لا يساوي درهمين.

.الانتفاع بالطعام قبل قسمة الغنائم:

ويستثنى من ذلك الطعام، وعلف الدواب، فإنه يباح للمقاتلين أن ينتفعوا بها ماداموا في أرض العدو، ولو لم تقسم عليهم.
1- روى البخاري، ومسلم، عن عبد الله بن مغفل، قال: أصبت جرابا من شحم يوم خيبر، فالتزمته، فقلت: لا أعطي اليوم أحدا من هذا شيئا، فالتفت، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مبتسم.
2- وأخرج أبو داود، والحاكم، والبيهقي، عن ابن أبي أوفى قال: أصبنا طعام يوم خيبر، وكان الرجل يجئ فيأخذ منه مقدار ما يكفيه، ثم ينطلق.
3- وروى البخاري عن ابن عمر قال: كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب، فنأكله ولا نرفعه.
وفي بعض رواية الحديث عند أبي داود: فلم يؤخذ منهما الخمس.
قال مالك في الموطأ: لا أرى بأسا أن يأكل المسلمون إذا دخلوا أرض العدو من طعامهم، ما وجدوا من ذلك كله قبل أن تقع في المقاسم.
وقال: أنا أرى الإبل والبقر والغنم بمنزلة الطعام، يأكل منه المسلمون إذا دخلوا أرض العدو كما يأكلون الطعام.
وقال: ولو أن ذلك لا يؤكل حتى يحضر الناس المقاسم ويقسم بينهم أضر ذلك بالجيوش.
قال: فلا أرى بأسا بما أكل من ذلك كله على وجه المعروف والحاجة إليه، ولا أرى أن يدخر بعد ذلك شيئا يرجع به إلى أهله.
المسلم يجد ماله عند العدو يكون له: إذا استرد المقاتلون أموالا للمسلمين كانت بأيدي الاعداء، فأربابها أحق بها، وليس للمقاتلين منها شئ، لأنها ليست من الغنائم.
1- عن ابن عمر أنه غار له فرس، فأخذها العدو فظهر عليه المسلمون، فردت عليه في زمان النبي صلى الله عليه وسلم.
2- وعن عمران بن حصين قال: أغار المشركون على سرح المدينة وأخذوا العضباء، ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وامرأة من المسلمين، فلما كانت ذات ليلة، قامت المرأة، وقد ناموا، فجعلت لا تضع يدها على بعير إلا أرغى حتى أتت العضباء، فأتت ناقة ذلولا، فركبتها، ثم توجهت قبل المدينة، ونذرت لئن نجاها الله لتنحرنها، فلما قدمت المدينة عرفت الناقة، فأتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته المرأة بنذرها، فقال: «بئس ما جزيتها، لا نذر فيما لا يملك ابن آدم، ولا نذر في معصية».
وكذلك إذا أسلم الحربي وبيده مال مسلم، فإنه يرد إلى صاحبه.

.الحربي يسلم:

إذا أسلم الحربي وهاجر إلى دار الإسلام وترك بدار الحرب ولده وزوجته وماله، فإن هذه تأخذ حرمة ذرية المسلم، وحرمة ماله، فإذا غلب المسلمون عليها لم تدخل في نطاق الغنائم، لقوله صلى الله عليه وسلم: «فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأمولهم».

.أسرى الحرب:

أسرى الحرب، وهم من جملة الغنائم، وهم على قسمين: الأول النساء والصبيان.
الثاني الرجال البالغون المقاتلون من الكفار إذا ظفر المسلمون بهم أحياء.
وقد جعل الإسلام الحق للحاكم في أن يفعل بالرجال المقاتلين إذا ظفر بهم ووقعوا أسرى، ما هو الانفع والاصلح من المن، أو الفداء، أو القتل.
والمن: هو إطلاق سراحهم مجانا.
والفداء: قد يكون بالمال، وقد يكون بأسرى المسلمين، ففي غزوة بدر كان الفداء بالمال، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه فدى رجلين من أصحابه برجل من المشركين من بني عقيل رواه أحمد والترمذي وصححه.
يقول الله سبحانه وتعالى: {فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها}.
وروى مسلم من حديث أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم، أطلق سراح الذين أخذهم أسرى، وكان عددهم ثمانين، وكانوا قد هبطوا عليه وعلى أصحابه من جبال التنعيم عند صلاة الفجر ليقتلوهم.
وفي هذا نزل قول الله سبحانه وتعالى: {وهو الذي كف أيديم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم}.
وقال صلى الله عليه وسلم لاهل مكة يوم الفتح: «اذهبوا فأنتم الطلقاء».
على أنه يجوز للامام، مع ذلك، أن يقتل الاسير إذا كانت المصلحة تقتضي قتله، كما ثبت ذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد قتل النضر ابن الحارث، وعقبة بن معيط، يوم بدر، وقتل أبا عزة الجمحي يوم أحد.
وفي هذا يقول الله سبحانه: {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض}.
وممن ذهب إلى هذا جمهور العلماء، فقالوا: للامام الحق في أحد الأمور الثلاثة المتقدمة.
وقال الحسن وعطاء: لا يقتل الاسير، بل يمن عليه أو يفادى به.
وقال الزهري ومجاهد وطائفة من العلماء: لا يجوز أخذ الفداء من أسرى الكفار أصلا.
وقال مالك: لا يجوز المن بغير فداء.
وقال الأحناف: لا يجوز المن أصلا، لا بفداء ولا بغيره.

.معاملة الأسرى:

عامل الإسلام الاسرى معاملة إنسانية رحيمة، فهو يدعو إلى إكرامهم والاحسان إليهم، ويمدح الذين يبرونهم، ويثني عليهم الثناء الجميل.
يقول الله تعالى: {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا}.
ويروي أبو موسى الاشعري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «فكوا العاني، وأجيبوا الداعي، وأطعموا الجائع، وعودوا المريض».
وتقدم أن ثماقة بن أثال وقع أسيرا في أيدي المسلمين، فجاءوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أحسنوا إساره».
وقال: «اجمعوا ما عندكم من طعام فابعثوا به إليه».
فكانوا يقدمون إليه لبن لقحة الرسول صلى الله عليه وسلم غدوا ورواحا.
ودعاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام، فأبى، وقال له: إن أردت الفداء، فاسأل ما شئت ما المال.
فمن عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأطلق سراحه بدون فداء، فكان ذلك من أسباب دخوله في الإسلام.
وقد جاء في الصحاح في شأن أسرى غزوة بني المصطلق - وكان من بينهم جويرية بنت الحارث - أن أباها الحارث بن أبي ضرار، حضر إلى المدينة ومعه كثير من الإبل ليفتدي بها ابنته، وفي وادي العقيق، قبل المدينة بأميال، أخفى اثنين من الجمال أعجباه في شعب بالجبل، فلما دخل على النبي صلى الله عليه وسلم قال له: يا محمد أصبتم ابنتي، وهذا فداؤها.
فقال عليه الصلاة والسلام: «فأين البعيران اللذان غيبتهما بالعقيق في شعب كذا»؟ فقال الحارث: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، والله ما أطلعك على ذلك إلا الله. وأسلم الحارث وابنان له، وأسلمت ابنته أيضا، فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبيها وتزوجها، فقال الناس: لقد أصبح هؤلاء الاسرى الذين بأيدينا أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنوا عليهم بغير فداء.
وتقول عائشة رضي الله عنها: «فما أعلم أن امرأة كانت أعظم بركة على قومها من جويرية، إذ بتزوج الرسول صلى الله عليه وسلم إياها أعتق مائة من أهل بيت بني المصطلق».
ولمثل هذا تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من جويرية، لا لشهوة يقضيها، بل لمصلحة شرعية يبتغيها، ولو كان يبغي الشهوة لاخذها أسيرة حرب بملك اليمين.

.الاسترقاق:

إن القرآن الكريم لم يرد فيه نص يبيح الرق، وإنما جاء فيه الدعوة إلى العتق.
ولم يثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم ضرب الرق على أسير من الاسارى، بل أطلق أرقاء مكة، وأرقاء بني المصطلق، وأرقاء حنين.
وثبت عنه أنه صلى الله عليه وسلم أعتق ما كان عنده من رقيق في الجاهلية.
وأعتق كذلك ما أهدي إليه منهم.
على أن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم ثبت عنهم أنهم استرقوا بعض الاسرى على قاعدة المعاملة بالمثل.
فهم لم يبيحوا الرق في كل صورة من صوره، كما كان عليه العمل في الشرائع الالهية والوضعية، وإنما حصروره في الحرب المشروعة المعلنة من المسلمين ضد عدوهم الكافر، وألغوا كل الصور الاخرى، واعتبروها محرمة شرعا لا تحل بحال.
ومع أن الإسلام ضيق مصادره وحصرها هذا الحصر، فإنه من جانب آخر عامل الارقاء معاملة كريمة، وفتح لهم أبواب التحرر على مصاريعها كما يتجلى ذلك فيما يلي:

.معاملة الرقيق:

لقد كرم الإسلام الرقيق، وأحسن إليهم، وبسط لهم يد الحنان، ولم يجعلهم موضع إهانة ولا ازدراء، ويبدو ذلك واضحا فيما يلي:
1- أوصى بهم فقال: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم}.
وعن علي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم».
2- نهى أن ينادى بما يدل على تحقيره واستعباده، إذ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يقل أحدكم عبدي أو أمتي وليقل فتاي وفتاتي، وغلامي».
3- أمر أن يأكل ويلبس مما يأكل المالك، فعن ابن عمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «خولكم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم».
4- نهى عن ظلمهم وأذاهم، فعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته عتقه».
وعن أبي مسعود الانصاري قال: بينا أنا أضرب غلاما لي إذ سمعت صوتا من خلفي، فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام». فقلت: هو حر لوجه الله، فقال: «لو لم تفعل لمستك النار». وجعل للقاضي حق الحكم بالعتق إذا ثبت أنه يعامله معاملة قاسية.
5- دعا إلى تعليمهم وتأديبهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كانت له جارية فعلمها، وأحسن إليها وتزوجها، كان له أجران في الحياة وفي الاخرى. أجر بالنكاح والتعليم، وأجر بالعتق».